سورة الغاشية - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الغاشية)


        


{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10)}
قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ} أي ذات نعمة. وهي وجوه المؤمنين، نعمت بما عاينت من عاقبة أمرها وعملها الصالح. {لِسَعْيِها} أي لعملها الذي عملته في الدنيا. {راضِيَةٌ} في الآخرة حين أعطيت الجنة بعملها. ومجازه: لثواب سعيها راضية. وفيها واو مضمرة. المعنى: ووجوه يومئذ، للفصل بينها وبين الوجوه المتقدمة. والوجوه عبارة عن الأنفس. {فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ} أي مرتفعة، لأنها فوق السموات حسب ما تقدم.
وقيل: عالية القدر، لان فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. وهم فيها خالدون.


{لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11)}
قوله تعالى: {لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً} [11] أي كلاما ساقطا غير مرضي. وقال: لاغِيَةً، واللغو واللغا واللاغية: بمعنى واحد. قال:
عن اللغا ورفث التكلم وقال الفراء والأخفش أي لا تسمع فيها كلمة لغو.
وفي المراد بها ستة أوجه: أحدها: يعني كذبا وبهتانا وكفرا بالله عز وجل، قاله ابن عباس.
الثاني: لا باطل ولا إثم، قاله قتادة.
الثالث: أنه الشتم، قاله مجاهد.
الرابع: المعصية، قاله الحسن.
الخامس: لا يسمع فيها حالف يحلف بكذب، قاله الفراء.
وقال الكلبي: لا يسمع في الجنة حالف بيمين برة ولا فاجرة.
السادس: لا يسمع في كلامهم كلمة بلغو، لان أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم، قاله الفراء أيضا. وهو أحسنها لأنه يعم ما ذكر. وقرأ أبو عمرو وابن كثير {لا يسمع} بياء غير مسمى الفاعل. وكذلك نافع، إلا أنه بالتاء المضمومة، لان اللاغية اسم مؤنث فأنث الفعل لتأنيثه. ومن قرأ بالياء فلانه حال بين الاسم والفعل الجار والمجرور. وقرأ الباقون بالتاء مفتوحة لاغِيَةً نصا على إسناد ذلك للوجوه، أي لا تسمع الوجوه فيها لاغية.


{فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)}
قوله تعالى: {فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ} أي بماء مندفق، وأنواع الأشربة اللذيذة على وجه الأرض من غير أخدود. وقد تقدم في سورة الإنسان أن فيها عيونا. ف- عَيْنٌ: بمعنى عيون. والله أعلم. {فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} أي عالية. وروي أنه كان ارتفاعها قدر ما بين السماء والأرض، ليرى ولي الله ملكه حوله. {وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ} أي أباريق وأوان. والإبريق: هو ماله عروة وخرطوم. والكوب: إناء ليس له عروة ولا خرطوم. وقد تقدم هذا في سورة الزخرف وغيرها. وَنَمارِقُ أي وسائد، الواحدة نمرقة. مَصْفُوفَةٌ أي واحدة إلى جنب الأخرى. قال الشاعر:
وإنا لنجري الكأس بين شروبنا *** وبين أبي قابوس فوق النمارق
وقال آخر:
كهول وشبان حسان وجوههم *** على سرر مصفوفة ونمارق
وفي الصحاح: النمرق والنمرقة: وسادة صغيرة. وكذلك النمرقة بالكسر لغة حكاها يعقوب. وربما سموا الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة، عن أبي عبيد. {وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}: قال أبو عبيدة: الزرابي: البسط.
وقال ابن عباس: الزرابي: الطنافس التي لها خمل رقيق، واحدتها: زربية، وقال الكلبي والفراء. والمبثوثة: المبسوطة، قال قتادة.
وقيل: بعضها فوق بعض، قاله عكرمة. وقيل كثيرة، قاله الفراء.
وقيل: متفرقة في المجالس، قاله القتبي. قلت: هذا أصوب، فهي كثيرة متفرقة. ومنه: {وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164].
وقال أبو بكر الأنباري: وحدثنا أحمد بن الحسين، قال حدثنا حسين بن عرفة، قال حدثنا عمار بن محمد، قال: صليت خلف منصور بن المعتمر، فقرأ: {هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ}، وقرأ فيها: {وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}: متكئين فيها ناعمين.

1 | 2 | 3 | 4